إن من حكمة الله عز وجل أن فاضل بين خلقه زمانا ، ومكاناً ، ففضل بعض
الأزمنة على بعض ، وبعض الأمكنة على بعض ، وبعض البشر على بعض ؛ فأفضل
الأزمنة في هذه الدنيا زمن النبوة والرسالة ، الذي تتصل فيه الأرض بالسماء ،
وتتلقى فيه البشرية الهداية من الوحي ، وتبلغ الأمة فيه مبلغ الكمال
البشري ، إلا أن النقص سرعان ما يداهم الأمم بعد موت أنبيائها ، وانقطاع
وحيها ، وقد أتى على هذه الأمة ما أتى على الأمم قبلها ، بعد موت النبي صلى
الله عليه وسلم ، وما زال هذا النقص يتسع ويزداد ، وقد أخبرنا النبي صلى
الله عليه وسلم بهذه السنة الكونية ، فيما رواه البخاري
عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال : ( إنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه حتى تلقوا
ربكم ) ، إلا أن رحمة الله عز وجل بعباده ، ورأفته بهم اقتضت
أن يكون للناس أوقات يؤبون فيها إلى الهدى والرشاد ، وأزمنة يتذكرون فيها
عهد الأمة الأول ، ومن تلك الأزمنة زمن خروج المهدي عليه السلام ، المهدي
الذي يخرج على الأمة مصلحاً وهاديا بعد أن يعم الشر ، وينتشر الباطل ،
وتملأ الأرض ظلما وجورا .
وقد اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بتجلية أمر
هذا المصلح ، وبيان صفاته وخصائصه ، حتى إذا ظهر كانت الأمة معه على موعد ،
فتنصره ولا تخذله ، لاسيما أن وقت خروجه وقت فتن وبلاء .
فقد ذكر
صلى الله عليه وسلم : أن اسمه مثل اسمه ، واسم أبيه مثل اسم أبي النبي ،
وأنه من بيت النبوة الطاهر ، والحديث الوارد في ذلك رواه أبو
داود وصححه الشيخ الألباني .
وذكر صلى الله عليه وسلم
صفاته الخَلْقية فقال : ( المهدي مني أجلى الجبهة ، أقنى الأنف ) رواه
أبو داود وحسنه الشيخ الألباني . ومعنى "
أجلى الجبهة " : أي : أنه عريض الجبهة لانحسار الشعر عن مقدم رأسه ، ومعنى "
أقنى الأنف " أي : طويل الأنف، مع دقة في أرنبته ، وحدب في وسطه .
هذا
عن اسمه وصفاته الخَلقية ، أما عن زمن خروجه فقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم
أنه يخرج في زمن ملئت فيه الأرض ظلما وجورا . وأما مكان خروجه فقد دلت
الأحاديث على أنه يخرج من جهة المشرق ، ويبايعه المسلمون ، ويخوض بهم حروبا
ينتصر فيها ، ويستقر الأمر له عليه السلام ويحكم بالإسلام فينتشر العدل ،
وتشهد الأمة مرحلة من الرخاء الاقتصادي لم تشهد له مثيل من قبل ، حتى يُطلب
من يقبل المال فلا يوجد ، وتخرج الأرض بركتها وتنزل السماء ماءها ، ويمكث
في الأمة سبع سنين .
هذا هو المهدي عليه السلام الذي يكون خروجه في
زمن كثرت فتنه ، وعم فساده ، وغلب شره ، وما ذكرناه لك أخي الكريم - من
تفصيلات حياته عليه السلام هو مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وثبت
في أحاديث كثيرة منها الصحيح ومنها الحسن ، وهي بمجموعها تشكل تواترا
معنويا يثبت خروج المهدي عليه السلام .
لكن عليك أن تعلم - أخي
الكريم - أن إيماننا بخروج المهدي عليه السلام لا يدفعنا إلى ترك العمل
اتكالا عليه ، وانتظارا لخروجه ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ما أخبرنا
به لنترك العمل ، وإنما كان إخباره به من أجل أن يبعث الأمل في نفوس
الصالحين عند اشتداد الكرب وظهور الكفر وأهله ، لئلا يلحقهم من جراء ذلك
يأس أو قنوط .