نداوى عضو فعال
عدد المساهمات : 368 العمر : 37 تاريخ التسجيل : 01/10/2010
| موضوع: حديث رائع مع الشرح الأحد أكتوبر 03, 2010 5:41 am | |
| نصّ الحديث
عن أبي هريرة رضي الله عنهأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( بينا رجل بفلاة من الأرض ، فسمعصوتاً في سحابة : اسق حديقة فلان ، فتنحّى ذلك السحاب ، فأفرغ ماءه فيحَرّة ، فإذا شَرجةٌ من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله ، فتتبّعالماء فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته ، فقال له : يا عبدالله ، ما اسمك ؟ ، قال : فلان ، للاسم الذي سمع في السحابة ، فقال له :يا عبد الله ، لم تسألني عن اسمي ؟ ، فقال : إني سمعت صوتاً في السحابالذي هذا ماؤه ، يقول : اسق حديقة فلان - لاسمك - ، فما تصنع فيها ؟ ، قال: أما إذ قلت هذا ، فإني أنظر إلى ما يخرج منها ، فأتصدق بثلثه ، وآكل أناوعيالي ثلثاً ، وأرد فيها ثلثه ) رواه مسلم .
معاني المفردات
بينا رجل : بينما رجل بفلاة : الأرض الواسعة أو الصحراء في حرة : هي الأرض التي تكثر بها الحجارة السوداء شرجة من تلك الشراج : قنوات الماء بمسحاته : أداة من أدوات الزراعة وهي المجرفة
تفاصيل القصّة
قدبيدو للناظرين إلى ظواهر الأمور أن يد الخير المبذولة إلى الفقراء ،والعطوفة على المساكين ، ما هي إلا صورة من تبديد الثروات ، وتضييعالمدّخرات ، وسببٌ في نقص رؤوس الأموال .
تلك هي النظرة بالمقاييسالمادّية المحضة ، ولكنّ الشريعة الإلهيّة تقول شيئاً آخر ، فالإنفاقوسيلةٌ لنماء المال ، وحلول البركة فيه ، كحال من يبذر الحبّة في الأرض ،سرعان ما تنمو وتكبر حتى تصبح شجرةً باسقة ، يانعةً مثمرة
ولا يزاللطف الله بأوليائه وعباده المستبقين إلى الخيرات ، يصرف عنهم البلاء ،ويوسّع عليهم الأرزاق ، ويسوق إليهم الخيرات ، ويحظون بتوفيق الله وبنعمته، ومن كان في كنف الإله ورعايته فأنّى له أن يضيع ؟ .
وشاهد الصدقعلى ذلك ، الحديث الذي بين أيدينا ، والذي يُخبر عن مزارع صالح ، برزت فيهصفات الكرم وجوانب السّخاء في وقتٍ عزّت فيه معاني الجود ، ليقهر الطبيعةالبشريّة القائمة على الشحِّ والإمساك ويتخطّاها في سموٍّ إيمانيّ رفيع .
كانهذا الرجل يسير في الصحراء ، حيث يندر الماء ويقلّ الزرع ، وبينما هو كذلكإذ سمع صوتاً يقول : " اسق حديقة فلان بن فلان ! " ، فتعجّب الرّجل لماسمعه ، فالأرض خالية من البشرّ ، ثم أدرك أن الصوت صادرٌ من السحابة التيتعلوه ، فازداد عجباً وإصراراً على استكشاف السبب .
وانطلق الرّجلخلف السحابة ليعرف مستقرّها ، حتى وقفت فوق أرض تكثر عليها الحجارةالسوداء ، يُقال عنها : " الحرّة " ، ثم نزل المطر بغزارة ، وجرى الماءحتى انتهى إلى حديقة ، وفيها فلاحٌ قائم ، يوزّع الماء ويوجّهه .
اتّجهالرجل إلى الفلاح وسأله عن اسمه ، فكان ذات الاسم الذي سمعه في السحابة ،وكان من الطبيعي أن يستغرب صاحب الحديقة من السؤال فبادره قائلا : " ياعبد الله ، لم تسألني عن اسمي ؟ " ، فقصّ عليه الرّجل ما سمعه ورآه من شأنالسحابة ، ثم بيّن له عظيم شوقه لمعرفة سرّ التوفيق الإلهيّ والعنايةالرّبانيّة التي حظي بها .
وتأتي الإجابة لتظهر الحقيقة وتكشفالغموض ، فالحال أن صاحب الحديقة كان ينظر إلى حصاد مزرعته فيقسمه ثلاثةأجزاء : جزء يتصدّق به على الفقراء والمساكين ، وآخر يجعله قوتاً لهولعياله ، وثالث يردّه إلى الأرض .
وقفات مع القصّة
هذاالقبس من مشكاة النبوة ، يأتي مبيّناً فضل الصدقة وقدرها عند الله سبحانهوتعالى ، كونها صورة من صور التكافل الإنسانيّ ودليلاً على يقظة الضمير ،والشعور بالواجب ، والإحساس بالمسؤولية نحو الآخرين ، ما يزيد من لُحمةالمجتمع وتماسكه .
وإذا كان هذا الرّجل الصالح قد نال من خير تلكالسحابة وبركاتها ، فتلك عاجل بشراه في الدنيا ، أما في الآخرة فما أعدّهالله له من ألوان الكرامة أعظم وأعظم .
ومن دلالات القصّة أنالإنفاق على المحتاجين وتفريج كرب المسلمين هي تجارة عظيمة مع الله سبحانهوتعالى لا يخسر صاحبها أبداً ، لتفضّل الكريم سبحانه وتعالى على عبادهالمنفقين بالبركة والنماء ، والخُلف في المال ، وجعل الإنفاق سبباً منأسباب الرزق ، وشاهد ذلك قوله تعالى : { وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهوخير الرازقين } ( سبأ : 39 ) ، وقوله في الحديث القدسيّ : ( يا بن آدمأَنفق أُنفق عليك ) متفق عليه .
وفي القصّة أيضاً ، الإشارة إلىقيمة العمل ومكانته عند المسلم ، فالرّجل ما اعتزل الدنيا أو تركها وراءظهره ، ولكنّه جدّ واجتهد ، وبذل الأسباب ، وسعى وراء الرّزق ، ثم تصدّقبماله ، وهذا هو حال الأمّة العاملة ، تبني وتشيد ، وتجد وتسعى ، حتى تنالمكانتها بين الأمم . | |
|