الغزوات قبل بدر
أرسى رسول الله صلى الله عليه وسلم دعائم دولة الإسلام في المدينة بعد
مهاجره من مكة المكرمة ، ثم شرع في متابعة تبليغ دعوته لقبائل العرب ،
وكان من الطبيعي أن يلقى معارضة ممن يكيد لهذا الدين ولا يريد أن تقوم له
قائمة . وكانت موقعة بدر من المواقع الحاسمة في تاريخ الدعوة الإسلامية ،
نصر الله فيها الحق على الباطل ، والإيمان على الشرك ، وقد تقدمها بعض
الوقائع التي كانت بمنزلة التمهيد والإعداد لهذه المعركة الفاصلة ، وكان
مما تقدمها الغزوات الآتية :
1- غزوة الأبْواء (وَدّان)
كانت في صفر من السنة الثانية للهجرة ، حيث خرج الرسول صلى الله عليه وسلم
في سبعين رجلاً من المهاجرين بعد أن استخلف سعد بن عبادةعلى المدينة بهدف
اعتراض عيرٍ لقريش ، وهي أول غزوة غزاها الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكان
حامل لواء هذه الغزوة حمزة بن عبدالمطلبرضي الله عنه ، وفيها عقد رسول
الله صلى الله عليه وسلم حلفاً مع بني ضمرة على ألا يغزوهم ولا يغزوه ،
ولا يعينوا عليه أحدا ، ولم يحدث قتال في هذه الغزوة .
2- غزوة بُوَاط
وكانت في ربيع الأول من السنة الثانية للهجرة ، وفيها خرج رسول الله صلى
الله عليه وسلم في مائتين من أصحابه بعد أن استخلف سعد بن معاذعلى المدينة
، وكان الهدف من الغزوة اعتراض عيرٍ لقريش فيها أمية بن خلف الجمحي ،
ومائة رجل من قريش ، وألفان وخمسمائة بعير ، وكان حامل اللواء في هذه
الغزوة سعد بن أبى وقاصرضي الله عنه، وقد رجع المسلمون من غير قتال حين لم
يعثروا على القافلة ، "وبواط" جبال من جبال جهينة من ناحية رضوى .
3- غزوة سَفَوان
وكانت كذلك في شهر ربيع الأول من السنة الثانية للهجرة ، حيث خرج الرسول
صلى الله عليه وسلم مع سبعين رجلاً في طلب كُرْز بن جابر الفِهْري الذي
أغار على مراعي المدينة ، في قوات من المشركين ، ونهب المواشي ، فطارده
المسلمون حتى بلغوا وادياً يقال له : سفوان من ناحية بدر ، ولذلك تسمى هذه
الغزوة : "بدر الأولى" .
وقد استخلف الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة على المدينة زيد بن حارثة ، وكان حامل لوائها علي بن أبي طالب.
ورجع المسلمون من هذه الغزوة دون حرب ؛ حيث أنهم لم يدركوا كُرز الفهري .
4- غزوة ذي العشيرة
وكانت في جمادى الأولى والآخرة من السنة الثانية للهجرة ، حيث خرج الرسول
صلى الله عليه وسلم في خمسين ومائة من المهاجرين ، على ثلاثين بعيراً ،
بهدف اعتراض عيرٍ لقريش ذاهبة إلى الشام ، فلما بلغ الجيش ذا العشيرة
وجدوا العير قد فاتتهم بأيام ، وقد طلبها المسلمون أثناء عودتها من الشام
، فكانت سبب غزوة بدر الكبرى ، وقد استخلف الرسول صلى الله عليه وسلم على
المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي ، وحمل لواء هذه الغزوة حمزة بن
عبدالمطلبرضي الله عنه.
وكان من نتائج هذه الغزوة عقد معاهدة عدم اعتداء مع بني مدلج وحلفائهم من بني النضير .
من خلال هذه الغزوات استفاد المسلمون فوائد متعددة ، منها ما يتعلق بتخويف
العدو ، وبعث رسالة للواقفين في وجه الدعوة الإسلامية ، ومنها ما يتعلق
بتقوية جيش المسلمين ، وتدريبه على القتال ، والصبر ، والقيادة ، ولذلك
نجد النبي صلى الله عليه وسلم ، يعطي اللواء في كل مرة لقائد من القواد ،
فتتنقل الراية من حمزة إلى سعد بن أبي وقاص ، إلى علي ، ثم تعود إلى حمزة
مرة أخرى - رضي الله عنهم جميعاً - ، وكان يُنوِّع في الاستخلاف على
المدينة ، فمرة سعد بن عبادة ، وأخرى سعد بن معاذ، وثالثة زيد بن حارثة،
ورابعة أبا سلمة المخزومي، وهذا فيه دلالة عظيمة على حنكة القائد ، وفطنته
، وفيه تدريب على تحمل المسؤولية ، والاستفادة من قدرات الجميع وإمكاناتهم
، وفيه إشارة إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم يربي قادة ، ويعلم أمة ،
ويرسم منهاجاً ، فهل يعي المسلمون ذلك ؟ خاصة أنهم في أمس الحاجة إلى
النظر والتدبر في سيرة قائدهم ، وأسوتهم صلى الله عليه وسلم